• ١٥ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٧ ذو القعدة ١٤٤٥ هـ
البلاغ

كيف نواجه التطرف؟/ ج2

د. غنيمة حبيب كرم

كيف نواجه التطرف؟/ ج2

البداية لمواجهة التطرف تبدأ من المؤسسة الاجتماعية والتربوية الأولى وهي الأسرة، وتستمر من خلال باقي المؤسسات والهياكل الاجتماعية الأخرى.

ونكمل الطريق بالمؤسسة الاجتماعية التالية للأسرة، وهي المدرسة، أو مؤسسات التربية والتعليم بشكل عام، وأجد أن من أهم الأمور التي يمكن طرحها في هذا الجانب هو الاهتمام بما يسمي بمفهوم "التعليم الفكري الإبداعي"، الذي يرتكز على إخراج القدرات الإبداعية للأطفال، وتنمية المهارات الابتكارية، ويركز على الأساليب التعليمية التي تشجع الطلاب على المشاركة والتعبير، مما يساهم في تكوين الشخصية المستقيمة والسوية، والتعليم الفكري الإبداعي يركز ويهتم بالكيفية التعليم أكثر من اهتمامه بالكم التعليمي، ويتبني مبدأ الحوار والمناقشات المفتوحة كأسلوب تدريسي، وهو ما سيترتب عليه مجموعة من النتائج الايجابية، أهمها إعادة تشكيل المناهج التعليمية بما يدعم التفتح الذهني للطلاب، ويعزز روح الألفة والحب بين الناس على أساس انساني بحت بعيدا عن الاختلافات المذهبية وذلك من خلال إقرار (منهج السلوك والأخلاق)، وبالتالي فسيكون المعلم المؤهل وحده هو القادر على إيصال المعلومة وتطوير العملية التعليمية، في حين سيظهر ضعف غيره في القدرة على التواصل الإبداعي مع الطلاب، مما سيكون له أكبر الأثر في زيادة التماسك الداخلي لدى الطلاب، وقدرتهم على تحمل الضغوط النفسية والتعامل معا بأسلوب عملي ونفسي سليم.

أما عن الاعلام فهو سلاح ذو حدين، في منطقة التطرف والإرهاب، فهو السلاح الخطير الذي قد يدعم العنف والتطرف في نفوس الجمهور، وعلى العكس قد يكون الأداة المداوية والدرع الواقي لمواجهة التطرف، وهو ما يحتم على الوسائل الإعلامية تبني الموضوعية، وتعزيز ثقافة التعايش السلمي في الخطاب الإعلامي، مع طرح العديد من البرامج الشبابية التي ترسخ ثقافة المحبة بين الطوائف والأديان والمذاهب، مع ضرورة توقيع العقوبات الرادعة على كل من يعمل على تأجيج نيران الفتن والعنصرية والتعصب، بالإضافة الى الأهمية الكبيرة الى تقديم مصلحة الوطن، على مفهوم السبق الصحفي، والتسارع في نشر الدسائس والفضائح التي تدمر المجتمع.

وقد يتبادر الى ذهن البعض أن الدين هو الرافد الأساسي للعنف والتطرف، ولكن على العكس فالمذاهب والأديان السماوية جميعها تدعو الى الحب والتسامح والأخوة الإنسانية، ولكن الخلل يكمن في الفهم الخاطئ وتأويل النصوص الدينية، والأفكار الرجعية المنسوبة بالخطأ الى الأديان، لذلك فالخطوة الأولى أن يكون علماء الدين قدوة حسنة، من خلال تحليهم بالأخلاق الفاضلة والحميدة،  بالإضافة الى دورهم في نشر القيم الأخلاقية الحقيقية في حياة الأنبياء والرسل، وتوعية أفراد المجتمع بالمستجدات على الساحة وتوضيح خطورة نشر الفوضى بين الناس، وأن يكون لثقافة التسامح الديني، والأخوة الإنسانية، وعدم الإكراه في الدين موضعاً مميزاً في الخطب والمواعظ الدينية بالمساجد ودور العبادة، مع الحرص على بيان خطورة الفتاوى الهدامة التي تصدر من بعض مدعي العلم والتدين والتصدي لأفكارهم المتطرفة.

ويتكامل مع الأدوار السابقة دور مؤسسات المجتمع المدني، فمن الواجب إشراك مؤسسات المجتمع المدني مع المؤسسات الحكومية لوضع الخطط المستقبلية التي تساعد على نمو الفرد والجماعة، مع تفعيل مبادرات الحقوقيين في المجتمع المدني، والأخذ بملاحظاتهم فيما يتعلق بقضايا العنف والتطرف، مع وضع أساس قوي لبرامج مؤسسات المجتمع المدني لتقوم بدورها في بناء وتقوية التماسك الداخلي للفرد، مع أهمية تطوير أساليب تقديم الندوات وورش العمل لجذب الجمهور، خاصةً فيما يتعلق بالموضوعات الخاصة بالمواطنة والانتماء والقيم الأخلاقية والإنسانية السامية.

هذه مجموعة من الحلول والمقترحات التي تمثل جهداً بحثياً فردياً، وتحتاج الى تكاتف الجهود والأعمال، لمواجهة العنف والتطرف، كمرض اجتماعي خطير، يهدد الإنسانية في قلوبنا، وقلوب صغارنا، وهو ما يحتم على الجميع العمل من أجل إيجاد سبل المواجهة الناجحة، لهذا الوباء الاجتماعي الخطير، فهل نمد أيدينا بالمحبة والسلام ونتكاتف سوياً من أجل الوصول الى خطوات مشتركة وفعالة في مواجهة العنف والتطرف.

ارسال التعليق

Top